عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم

عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم







بين أيدينا اليوم أحد أروع الكتب التي تناولت محمد الرسول والإنسان والقائد ، فهو ليس سرداً للسيرة النبوية كدأب كتب التراث، إنه ...
"عبقرية محمد"


بقلم الأديب المصري الكبير محمود عباس العقاد.



يعتبر كتاب "عبقرية محمد" أحد أهم الكتب التي قام بتأليفها عباس محمود العقاد، فهو يتحدث عن تفرد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم

الذي تجلى في أفعاله ومواقفه، ويتصدى عباس محمود العقاد في هذا الكتاب للدفاع عن النبي محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم، والذود

عن شرعته والرد على شانئيه، وأتى بالبرهان تلو البرهان للرد على اتهاماتهم للنبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، وقام بتحويل التهم

ضده إلى مواقف عظيمة وعبقرية وفخار، والكتاب هو أحد سلسلة العبقريات الاسلامية التي تضم الخلفاء الراشدين الأربعة

والصحابي خالد بن الوليد وسيدنا المسيح.

كيف جاءت الفكرة







في مقدمة الكتاب يقص علينا العقاد بداية ظروف إتمام هذا الكتاب، فقد كان العقاد يوماً يشاهد مظاهر الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف

حينما أشار عليه أصدقاؤه بتقديم سيرة النبى الكريم بأسلوب سلس معاصر قادر على التحليل، موضحين أن الكاتب الانجليزى كارليل قد

خصص فصلاً من كتابه الأبطال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والعقاد أولى بأن يقدم للمكتبة العربية جهداً فى هذا المجال ،


ورغم أن العقاد قد وعد بالشروع فى إعداد هذا الكتاب إلا أنه لم يشرع فى ذلك إلا بعد ثلاثين عاماً يراها العقاد أنها كانت لازمة لكى

يقبل على هذا العمل، وقد احتشد له الفهم المستنير الذى لا يتأتى إلا بخبرة السنين، ويستبشر العقاد بأن فراغه من كتابة "عبقرية محمد"

تزامن، كما تزامنت بدايات التفكير فيه، مع الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وآله وسلم.

يوضح العقاد الغرض من كتابه "عبقرية محمد" " فهو ليس سردا للسيرة النبوية أو شرح للإسلام بل هو






"تقدير لعبقرية سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم"

الأمر الذى يراه شاملاً المسلم وغير المسلم لأن "إيتاء العظمة حقها لازم فى كل آونة وبين كل قبيل" خاصة وأن الناس فى

عصرنا هذا "قد اجترأوا على العظمة .. بقدر حاجتهم الى هدايتها" فهم "ينظرون إلى أقطاب الدنيا كأن الأصل فى النظر

إليهم أن يتجنوا عليهم و يثلبوا كرامتهم، ولا يثوبوا إلى الاعتراف لهم بالفضل إلا مكرهين، بعد أن تفرغ عندهم وسائل التجنى والثلب والأفتراء".






في الفصل الأول والذي بعنوان



"علامات المولد"

تحدث العقاد عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم فيصف حال العالم والأمة من حوله في هذا العصر، وقبيلة قريش، وتحدث عن

عبدالله والد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، وتحدث أيضاً عن رجولته وبشائر الرسالة فيقول العقاد عن حال العالم والأمة فقد

كان عالماً متداعياً قد شارف على النهاية.. خلاصة ما يقال فيه : أنه عالم فقد العقيدة كما فقد النظام .. بيزنطة قد خرجت

من الدين إلى الجدل العقيم .. وفارس سخر فيها المجوس من دين المجوس، والحبشة ضائعة بين الأوثان المستعارة من الحضارة

تارة ومن الهمجية تارة .. وبين هذه الدول المتداعيات، أمة ليست بذات دولة .. فى أيديها تجارة القوافل من خليج فارس الى

بحر الروم، أمة تيقظت لوجودها ثم رأت هؤلاء المحيطين بها يجورون عليها .. فهرقل الرومي يرسل إلى مكة من يحكمها،

أبرهة الحبشي يزحف الى مكة بمن يهدم كعبتها وفارس تطغى على شرق البلاد وجنوبها، وفى مكة حالة لا أستقرار فيها،

فمن هنا الترف والطمع وتسخير الأقوياء للضعفاء .. ومن هنا الفاقة والحسرة والشك في صلاح الأمور.






ثم يتحدث عن قبيلة قريش في مكة والتي كان لها شعبتان أحداهما من أصحاب الترف والطمع واستبقاء ما هو قائم كما كان

قائماً، والأخرى من أصحاب التوسط بين القوى المستبد والضعيف المكره.



وكان الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلم من بيت من تلك الشعبة الوسطى له كرم النسب وليس له لؤم الثروة الجانحة، ذلك

هو بيت عبد المطلب من صميم قريش ومن أشرف عشائرها وإن لم يكن معدوداً من أثرياءها، ورأس هذا البيت –عبد المطلب –

هو سيد قومه رجل قوى الخلق حكيم مع قوة طبعه.



يصف العقاد والد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم بأنه أب من طينة الشهداء .. يتجه إليه القلب بكل ما فيه من حب ورحمة، أقام

مع عروسه ثلاثة أيام ثم سافر ليتجر فإذا هي السفرة التي لا يؤوب منها الذاهبون، فهو الفتي الذي مات وهو غريب، وولد

له نسله الكريم وهو دفين، وهكذا تتمثل البصائر الخاشعة آباء والسلالة التي تصل بين الآخرة والدنيا .. وبين عالم البقاء وعالم الفناء..

أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان للرسالة

وتحت عنوان "رجل" يصف العقاد






بأن العالم كان يتطلع إلي نبي وأن قبيلة وبيت وأبوان أصلح ما يكونون لانجاء ذلك النبي .. فالنبي نبيلاً عريق النسب،

وكان فقيراً لا يطغيه بأس الأغنياء، وكان يتيماً بين رحماء .. فليس هو المدلل وليس هو المهجور المنبوذ الذي تقتله القسوة،

وقد نشأ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم خبيراً بضروب العيش في البادية والحضر تربى في الصحراء وألف المدينة، رعى

القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب، واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء، ولو اشتغل حضرته زعيماً بين قومة

لصلح للزعامة، ولكن الزعامة لا تستوفي كل ما فيه صلَّى الله عليه وآله وسلم من قدرة واستعداد، فهو صلَّى الله عليه وآله وسلم

خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون ..



وهو على صلة بالدنيا التى أحاطت بقومه فلا هو يجهلها ولا هو يغامسها كل المغامسة فيغرق فى لجتها، أصلح رجل من أصلح

بيت فى أصلح زمان لرسالة النجاة المرقوبة، قد ظهر ومكة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة إليه والجزيرة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة

إليه والدنيا مهيأة لظهوره لأنها محتاجة إليه، قالت حوادث الكون كما كتب العقد: "لقد كانت الدنيا فى حاجة إلى رسالة ..

وقالت حقائق التاريخ :لقد كان محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم هو صاحب تلك الرسالة، ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون وعلامة التاريخ".

وتكلم العقاد في






الفصل التالي عن "الدعوة"

وذلك من خلال أبواب فرعية تمثلت بأسماء الوسامة و الثقة - الايمان و الغيرة - نجاح الدعوة فيبين العقاد من خلال تلك الأبواب أنه

اتفق في رسالة سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم قد كان أعجب الأعاجيب الاتفاق، وكان المعجزة التي تفوق المعجزات ..

لأنها مع ضخامتها وتعدد أجزائها وتواق تلك أجزاء جميعها، مما يقبله العقل قبولاً سائغاً بغير عنت ولا استكراه ..






فكان سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم مستكملا للصفات التي لا غناء عنها في إنجاح كل رسالة عظيمة من رسالات التاريخ،

كانت له فصاحة اللسان واللغة.. وكانت القدرة على تأليف القلوب وجمع الثقة.. وكانت له قوة الإيمان بدعوته وغيرته البالغة على نجاحها.

الفصاحة

فالفصاحة صفة تجتمع للكلام، ولهيئته النطق بالكلام، ولموضوع الكلام .. فيكون الكلام فصيحاً وهيئة النطق به غير فصيحة،

أو يكون الكلام والنطق به فصيحين، ثم لا تجتمع لموضوعه صفة الفصاحة السارية في الأسماع والقلوب ..






أما فصاحة سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم

فكما يقول العقاد قد تكاملت له في كلامه، وفي هيئة نطقه بكلامه، وفي موضوع كلامه .. فكان أعرب العرب، كما قال عليه الصلاة والسلام:

"أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر".






فله عليه الصلاة والسلام اللسان العربي الفصيح القرشي البدوي فكان عليه الصلاة السلام جمال فصاحته في نطقه كجمال

فصاحته في كلامه، واتفقت الروايات على تنزيه نطقه صلَّى الله عليه وآله وسلم من عيوب الحروف ومخارجها.

الوسامة والثقة







وسيدنا محمد كانت له مع الفصاحة صباحة ودماثة تحببانه إلى كل من رآه وتجمعان إليه قلوب من عاشروه، وهي صفة لم

يختلف فيها صديق ولا عدو، وحسبك من حب الضعفاء إياه، وأيضاً حب الأقوياء إياه .. ومع ذالك كانت له الثقة لأن

المحبوب غير الموثوق به، أما سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم فقد كان جامعاً للمحبة والثقة كأفضل ما تجمعان،

وكان مشهوراً بصدقه وأمانته كاشتهاره بوسامته وحنانه، وشهد له بذلك أعداؤه كمثال عند بداية الدعوة عندما وقف على جبل صفات




وقال عليه الصلاة والسلام:

"أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح الجبل أكنتم تصدقونني؟" فيقولون:" نعم، أنت عندنا غير متهم".






الإيمان والغيرة



ويقول العقاد في بابا الإيمان والغيرة: "من المحقق أن هذه الموافقات على كثرته وهذه الشمائل على ندرتها لا تزال تتوقف

على صفة أخرى يحتاج إليه الداعي أشد من احتياجه إلى الفصاحة و الصباحة.. وهي إيمانه بدعوته وغيرته على نجاحها،

ولم ينجح قط داع كبير يعوزه الإيمان بصواب ما يدعوا إليه والغيرة عليه.



وقد قضى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام شبابه وهو يؤمن بفساد الزمان وضلال الأوثان، ولما آمن برسالته هو ودعوة

ربه إياه بأداء تلك الرسالة لم يهجم على هذا الإيمان هجوم ساعة ولا هجوم يوم، ولكنه استوثق، واطمأن، وخطر له في

فترة من الوحي أن الله تعالى قلاه عن وأعرض عنه، ولم يأذن له في دعوة الناس إلى دينه ثم تلقى الطمأنينة من وحي

ربه ومن وحي صحبه، فصدع بما أمر .. فما من عجب إذن أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم صاحب دعوة.
وعن نجاح الدعوة






يذكر العقاد أنه ما من حركة كبرى في التاريخ تتضح للفهم إن لم يكن نجاح الدعوة المحمدية مفهوماً بأسبابه الواضحة المستقيمة

التي لا عوج في تأويلها .. إنما نجحت دعوة الإسلام لأنها دعوة طلبتها الدنيا ومهدت لها الحوادث، وقام بها داع تهيأ لها

بعناية ربه وموافقة أحواله وصفاته، فلا حاجة بها إلى خارقة ينكرها العقل أو إلى علة عوجاء يلتوي بها ذوو أهواء،

فهي أوضح شيء فهما لمن أحب أن يفهم، وهي أقوم شيء سبيلاً لمن استقام.

كيف كانت عسكريته




وعن الجانب العسكري من شخصية سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم خصص العقاد فصلاً في كتابة وهو في رأيي

من أطول الفصول لما يحويه من وقائع كثيرة، ووضع أبواب كسابقتها من الفصول تمثلت في: حروب دفاع - القائد البصير

- غرضان - قائد بغير نظير - خصائص العظمة - أسرى غزوة بدر - بعد معركة الأحزاب.


ويجيب العقاد في هذا الفصل عن بعض الشبهات التي يحاول المستشرقين والمعادين للإسلام استغلالها في تشوية صورة الإسلام

الحسنة والتي تدعو إلي السلام، ويذكر كيف أن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم كان على اجتنابه للعدوان كان يحسن من فنون الحرب ما لم يحسنه المعتدون عليه،






وأنه صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يتجنب الهجوم والبدأ بالقتال عن عجز أو خوف مما يجهله ولا يجيدة،

وإنما لأنه صلَّى الله عليه وآله وسلم نظر إلي الحرب نظرته إلي ضرورة بغيضة يلجأ إليها عندما لا يكون هناك حيلة من اجتبابها، ويتجنبها إذا تيسرت له حيله ناجحة.






ويستعرض العقاد عدد من الحقائق أمام أذهان القارئ ليجيب علي شبهات القائلين ب-أن الإسلام دين قتال ومن

هذه الحقائق أن مطعن القائلين بأن الإسلام دين قتال إنما يصدق لو صدق فى بداءة عهد الإسلام والواقع كان إن المئات

والألوف الذين دخلوا الدين الجديد يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون أحداً لسيوفهم، وكانوا يلقون عنتاً

ولا يصيبون أحداً بعنت، وكانوا يخرجون من ديارهم لياذاً بأنفسهم وأبناءهم من كيد الكائدين ونقمة الناقمين ولا يخرجون أحداً من داره.

وقد صبر المسلمون على المشركين حتى أمروا أن يقاتلوهم كافة كما يقاتلون المسلمين كافة، فلم يكن لهم قط عدوان،






وكانت حروب النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم كلها دفاع، ولم تكن منها حرب هجوم
إلا على سبيل المبادرة بالدفاع بعد الإيقان من نكث العهد والإصرار على القتال وتستوي فى ذلك حروبه

مع قريش وحروبه مع اليهود أو مع الروم،


ففى غزوة تبوك عاد الجيش الإسلامي أدراجه بعد ان أيقن بانصراف الروم عن القتال تلك السنة، وكان قد سرى إلى

النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم نبأ أنهم يعبئون جيوشهم على حدود البلاد العربية فلما عدلوا عدل الجيش الإسلامي

عن الغزوة على فرط ما تكلف من الجهد والمشقة فى تجهيزه وسفره.



نابليون مثالاً




واختار العقاد أبرع القادة المحدثين وهو نابليون بونابرت ليضرب به مثلاً، وعلى أسلوب حرب الحركة الذى كان هو

الأسلوب الغالب فى العصور الماضية .. لأن اختيار نابليون يبين لنا السبق فى خطط النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم

العسكرية بالمضاهاة بينها وبين هذا القائد العظيم .. فنابليون كان يوجه همه الأول إلى القضاء على قوة العدو العسكرية

بأسرع ما يستطيع، فلم يكن يعنيه ضرب المدن ولا اقتحام المواقع .. وعنده أنه يستفيد بخطته تلك ثلاثة أمور ..

أن يختار الموقع الملائم له، وأن يختار الفرصة، وأن يعاجل العدو قبل تمام استعداده.. وكان النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم

سابقاً إلى تلك الخطط فى جميع تفصيلاتها ..


فكان كما قدمنا لا يبدأ أحدا بالعدوان ولكنه إذا علم بعزم الأعداء على قتاله لم يمهلهم حتى يهاجموه كما حدث فى غزوة تبوك،

وكان النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم لا يضيع الوقت فى انتظار ما يختاره العداء ..ولا يضعف أنصاره بتركه زمام الحركة

بأيدى المهاجمين إلا أن يكون الهجوم وبالاً على المقدمين عليه، كما حدث فى غزوة الخندق.

وكان نابليون يقول أن نسبة القوة المعنوية إلى الكثرة العددية كنسبة ثلاثة إلى واحد .. والنبى صلَّى الله عليه وآله وسلم كان

عظيم الاعتماد على هذه القوة المعنوية التى هي فى الحقيقة قوة الأيمان .. ومعجزة الإيمان هنا أعظم جداً من أكبر مزية

بلغها نابليون بفضل الصبر أو العزيمة، وقد كان نابليون مع اهتمامه بالقوة العسكرية لا يغفل القضاء على القوة المالية أو

التجارية فكان يحارب الانجليز بمنع تجارتهم وسفنهم أن تصل إلى القارة الأوربية، وهكذا كان النبى عليه الصلاة والسلام

يحارب قريشاً في تجارتها ويبعث السرايا فى أثر القوافل وهى سنة المصادرة التى أقرها القانون الدولى وعمل بها قادة الجيوش فى جميع العصور.

وكان نابليون معتدا برأيه فى الفنون العسكرية ولاسيما الخطط الحربية ولكنه كان مع هذا الاعتداد الشديد لا يستغنى عن

مساورة مجلس الحرب الا على قبل العزم على القتال، وسيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم كان على رجاحة رأيه يستشير

صحبه فى خطط القتال ويقبل مشورتهم فقد عمل بمشورة سلمان الفارسى فى حفر الخندق، ولم يعرف عن قائد حديث أنه كان يعنى بالاستطلاع عناية نابليون.

لكن كانت فراسة النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم فى ذلك مضرب المثل فقد عرف فى بدر عدد القوم من مقدار الطعام الذى يحتاجون

إليه وكان صلوات الله عليه إنما يعول فى استطلاع أخبار كل مكان على أهله وأقرب الناس إلى العلم بدر، وبه ويعقد ما يسمى اليوم

مجلس الحرب فيسمع من كل فيما هو خبير به من فنون الحرب.
أما عن الجانب السياسية في شخصية النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم فق اخترت لكم هذه الفقرة، والتى أرى شخصياً أنها

من أفضل أجزاء الكتاب رؤية وتحليلاً، فضلاً عن جلال الحدث نفسه، فيتحدث العقاد عن






عهد الحديبيةفيقول:



بدأ النبى بالدعوة إلى الحج ولم يقصره فى تلك السنة على المسلمين بل شمل كل من أراد الحج من أبناء القبائل العربية فجعل

له وللعرب أجمعين قضية واحدة فى وجه قريش فأفسد على قريش ما تعودته من إثارة العرب وتوجيههم إلى مناوأة محمد والرسالة الإسلامية .

وقد سمعنا كثيرا فى العصور الحديثة عن المقاومة التى تتجنب العنف ولا تعتمد على غير وجه الحق والحجة ..

سمعنا بها فى الحركة الهندية التى قام على رأسها غاندى وقد استبعد البعض أن يتفق المسلمون مع تلك المقاومة السلبية لاعتقاد

هم أن الإسلام قد شرع للقتال، ولكن المثل الذى قدمه النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم فى رحلة الحديبية يبين أن الإسلام قد أخذ

من كل وسائل الدعوة بنصيب يجرى فى حينه مع مناسباته وأسبابه، وقد خرج النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فى

رحلة الحديبية حاجاً لا غازياً .. يقول ذلك ويكرره ويقيم الشواهد عليه لمن سأله، ويثبت نية السلم بالتجرد من السلاح.

ولما اتفق المسلمون وقريش على التعاهد، كانت سياسة النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم فى قبول الشروط التى طلبتها

قريش غاية فى القدرة الدبلوماسية فدعا بعلىٍٍٍ بن أبى طالب فقال له






:"بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل بن عمرو مندوب قريش :"أمسك !لا أعرف الرحمن الرحيم، بل اكتب باسمك اللهم"،

فقال النبى :"اكتب باسمك اللهم"؛ ثم قال :" (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو"، فقال سهيل :"امسك !

لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك"، وروى أن علياً تردد فمسح النبى ما كتب بيده، وأمره أن

يكتب "محمد بن عبد الله فى موضع محمد رسول الله"؛

ثم تعاهدوا على أن من أتى محمداً صلَّى الله عليه وآله وسلم من قريش رده عليهم ومن جاء قريشاً من رجال محمد لم يردوه.






وكان عهد الحديبية عهد مهادنة، أو "إيقاف أعمال العداء إلى حين

كما يسمونه فى اصطلاح العصر الحاضر .. فلا يعوزه شىء من الأصول المرعية فى أمثال هذه العهود،

من إثبات صفة المتعاهدين التى لا إرغام فيها لأحد الطرفين ومن حفظ كل لحقه فى تجديد دعواه واستئناف مسعاه،

فلو أن النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم شرط على قريش أن ترد إليه من يقصدها من رجاله لنقض بذلك دعوة الهداية الإسلامية

فان المسلم الذى يترك النبى باختياره ليلحق قريشاً ليس بمسلم، ولكنه مشرك يشبه قريشاً فى دينها وهى أولى به من نبى الإسلام.


ومن الفصول الجميلة أيضاً في الكتاب هو الفصل الذي يتحدث عن سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم كصديق، كيف كان

عطوفاً يرام من حوله ويودهم، ويدوم لهم على الموده طول حياته وإن تفاوت ما بينه وبينهم من سن وعرق ومقام،

وليس في سجل الانسانية كما قال العقاد أجمل ول أكرم من

حنانه على مرضعته حليمه،

ومن حفاوته بها وقد جاوز الأربعين فيلقاها هاتفاً بها:

أمي ! أمي ! ويفرش لها رداءه لتجلس عليه.

كان صلَّى الله عليه وآله وسلم من أضحك الناس وأطيبهم نفساً، وقد اتسع عطفة صلَّى الله عليه وآله وسلم فلم يقتصر

على البشر فقط فالحيوان أيضاً كان له نصيب من هذا العطف والحنان فكان يصفي الإناء للهرة لتشرب، وأوصي المسلمين

"إذا ركبتم الدواب فاعطوها حظها من المنازل ولا تكونوا عليها شياطين"

.. بل الجماد كذلك له حظ من الود فقد كان له قصعة يقال لها الغراء، وكان له سيف محلي يسمي ذو الفقار،

ودرع موشحة بنحاس تسمي ذات الفضول، وسرج يسمي الداج، وبساط يسمي الكز، ومرآة تسمي المدلة، وفي

تسمية تلك الأشياء بالأسماء معني الألفة التي تجعلها أشبه بالأحياء، وكأن لها شخصية مقربة تميزها بين مثيلاتها.

وعن علاقته مع الناس



يصف العقاد كيف كان النبي إذا لقيه أحد من أصحابة فقام معه قام معه، فلم ينصرف حتي يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه،

وإذا لقيه أحد منهم فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتي يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وغيرها الكثير

من المواقف التي تدل على مدي الرحمة والعطف والود.



حينما يكون الرئيس صديقا أكبر فصل آخر بعنوان محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم الرئيس يذكر فيه العقاد كيف جعل

النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم للرئاسة معنى الصداقة المختارة

فمحمد صلَّى الله عليه وآله وسلم الرئيس هو الصديق الأكبر لمرؤوسيه .

وقد زعم البعض أن تقديم الرحمة على العدل فى تطبيق الشريعة من دعوات المحدثين وهى دعوة النبى العربى التى كررها ولم يدع قط إلى غيرها فقال:






"إن الله تعالى لما خلق الخلق كتب على نفسه، إن رحمتي تغلب غضبى"،

وقال :

"إن الله تعالى لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثنى معلماً ميسراً،

وروى عنه أنه ما خير بين حكمين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن فيه خرق للدين".






وكان يوصى الضعفاء ويقول لصحبه



:"ابغونى الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم"،

ويذم الترفع على الخدم والفقراء: "فما استكبر من أكل مع خادمه، وركب الحمار بالأسواق واعتقل الشاه حتى حلبها"،

ولكنه مع الرحمة بالصغير لا ينسى حق الكبير:

"من لم يرحم صغارنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا"

.. إذ ليس الإنصاف حراما على الكبراء لمن صغر دون من كبر ،فلكل حق ولكل إ






صلَّى الله عليه وسلم .. شبهات وردود




وننتقل لفصل هو من أروع الفصول على الإطلاق، وليت جميع الرجال يتعلمون من نبيهم كيف كان زوجاً،

في هذا الفصل يقول العقاد

: تقدم الزمن فى الغرب من العصور المظلمة إلى طلائع العصر الحديث، ولما تبرح المرأة فى منزلة مسفة لا تفضل ما كانت

عليه فى الجاهلية العربية .. فقد بقيت المرأة الغربية حتى سنة 1882 محرومة حقها الكامل فى ملك العقار والمقاضاة والتعليم ..

أما الإسلام فقد أعطى للمرأة من الحقوق مثل ما فرض عليها من واجبات قال تعالى:

"ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف" (228 البقرة).




وأمر المسلم بإحسان معاملتها ولو كانت غير ذات حظوة عند زوجها:"

وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيراً" (19 النساء)، وأباح الدين فى الجهاد أن تكسب كما يكسب الرجال

"للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" (32 النساء)،

ولم يفضل الرجل عليها إلا بما كلفه من واجب كفالتها وإقامة أودها والسهر عليها.


أما سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم فقد جعل خيار المسلمين خيارهم لنسائهم



" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم"،

كان ما أوجبه النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم على المسلمين فى معاملاتهم لزوجاتهم دون ما أوجب على نفسه ..

فكان يشفق أن يرينه غير باسم فى وجوهن، ويزورهن جميعاً فى الصباح والمساء وإذا خلا بهن

"كان ألين الناس ضحاكاً بساماً"

كما قالت السيدة عائشة رضى الله عنها.


حبيبى يارسول الله

فداك نفسى وما

ملكت يداى

شكر وتقدير

موضوع اكثر من رائع

جزاك الله كل خير
بجد موضوع جميل جدا